بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

مقدمة الكتاب



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على حبيب إله العالمين، سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد، وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين الإمام الحجة المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه، واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

تأخذ الأحاديث والروايات التي تتعلق بظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه حيزاً ليس بالقليل في كتب الحديث عند جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، بل حتى في الكتب المتعلقة بغير المسلمين من أهل الكتاب[1].

ومن الواضح أن وجود هذه الوفرة من التحدّث عن هذا الموضوع، بمقدار ما تعكس موقعاً عقائديا ووجدانياً متميزاً لموضوعها من قبل المتحدّثين عنها، فإنها لا تمثل عملاً عابثاً، كما إنها لا تأتي من فراغ، وإنما ترتبط هذه الوفرة بشكل جوهري مع أهداف السياسات التربوية والتثقيفية المعتمدة لدى هذه الفرق والمذاهب والأديان ومتطلباتها، كما ويعكس حالة الاهتمام الفائقة لدى أئمة الفرق والمذاهب والأديان بموضوعها، والمتحدّثون عنها لا يتحدّثون لأغراض اعتباطية أو ميثولوجية، كما إنهم لا يتحدّثون عنها لأغراض السرد القصصي أو الروائي في حبكته الأدبية الخالي من أهداف المتحدّث!

ولكن مع هذه الوفرة إلا أن حالة الاهتمام بهذا الأمر، وإن لوحظت بشكل كمّي موسّع، ولكنها مع ذلك ظلت ـ من الناحية الموضوعية ـ تعاني من تذبذات لدى المتلقي لخطابها، لا تتناسب ـ مع الأسف ـ وطبيعة هذه الأهمية، مما جعل التباين في اتجاهات هذا الاهتمام وطبيعة المواقف المترتبة عليها واضحاً، بصورة جعلت الموضوع يتراوح بين الموقف المتطرف في التعامل معها وبين الموقف المتشدد ضدها والمسـتخف بها.

وما بين هذا وذاك كان التلقي لدى الغالبية العظمى قد أخذ أشكالاً متعـددة..

فمنهم: مَن قد انساق وراء هذه العلامات لأغراض تتعلق بالفضول أكثر من أي شيء آخر، وكلّ ذلك قد جرى بمعزل عن دقة تشخيص هذه العلامات، وربما نلمس هنا أن سجية إرواء حب معرفة المجهول وكشفه، وحركة المستقبل التي تثيرها هذه الروايات والأحاديث تشكل أحد أبرز دوافع هذا الفضول.

ومنهم: مَن راح يتلمس السلوى فيها؛ لكي يتخلص من الضغط النفسي الناشئ من سياسات العنت الاجتماعي والظلم والابتلاء التي يُعـرَّض لها أو يمرّ بها، لا على سبيل اكتشاف المنهج الذي تطرحه هذه العلامات للتعامل مع هذه السياسات، وإنما لكي يقنع نفسه بانتفاء دوره في عملية التغيير، ولهذا راح يبحث فيها لغرض التماس الأعذار والمبررات لتعطيل دوره وإرادته في مواجهة استحقاقات الزمن المعاندة للحركة الرسالية.

ومنهم: مَن حاول أن يستلهم في هذه العلامات ما يمكن استلهامه في تمجيد هذا وذاك، من الأشخاص أو الأقوام أو الجهات، ولربما لِما يجد فيها بعضاً من السعي لإرضاء الذات، وهنا نلاحظ أن الأصل لدى هؤلاء هو الأخذ من علامات الظهور ما ينفعه لتدعيم مخططات سياسية واجتماعية ونفسية آنية في غالب الأحيان، لا العكس، وقد لا ينتبهون لذلك لنشوة مخادعة تارة، أو لما يتم استغفالهم به من قبل غيرهم تارة أُخرى[2].

ومنهم: مَن اتسم بسبيل مختلف وقد حاول من خلاله أن يكتشف أسرار الحركة المهدوية ومعالم الطريق إليها، وطبيعة الآثار الاجتماعية والسياسية المنعكسة منها أو المترتبة عليها، لا لشيء إلا من أجل النيل من المناهج التي تحاول أن تفعّـل حركة التمهيد للظهور الشريف بالطريقة التي لا تنسجم مع مصالح هؤلاء وأغراضهم الخبيثة، وهذا هو دأب الطواغيت والفراعنة والجبابرة قديماً وحديثاً، ولا يستغربنّ المرء لو رأى في جهود الدول الكبرى والأجهزة المخابراتية العالمية[3] مسعىً جدياً في هذا الاتجاه[4]!!

وثمة اتجاهان تقاسما الإفراط والتفريط في شأن الموقف من علامات الظهور، وقد أسهما إلى حد كبير في تحجيم الأثر المتوخى من هذه العلامات..

فاتجاه عمد إلى إغفال النظر في هذه العلامات وطبيعة ما توحيه من مناهج عمل، بما فيها من تحذيرات وإنذارات مسبقة، ومنارات هدى على الطريق، بل ربما نجد في بعض هؤلاء من يثير السخرية من هذه العلامات، والجدّي منهم كان يدّعي عدم وضوح أن العلامة الفلانية أو الفلانية متعلقة بزمنه أو لا، وهذا الكلام بقدر سلامته، إلا أنه ليس بمدعاة لترك المراقبة الجادة والملتزمة للمنهج الذي تطرحه هذه العلامات؛ لأن هذا الفرض لا ينفي عكسه أيضاً، ولا سيما لو وضعنا نصب أعيننا أن الأئمة صلوات الله عليهم كانوا في غاية الجدّية حينما تحدّثوا بمثل هذه الأُمور، بل ربما عانوا الأمرّين بسبب حرصهم على مدّ رقعة الحديث في هذا المجال، نظراً لكثرة المصالح التي يرون تحقيقها من خلال هذا المنهج.

فيما راح الاتجاه الآخر يعاكس هذا الاتجاه تماماً فراح يتعامل مع هذه العلامات وكأنها متعلّقة بزمنه حتماً، وبالنتيجة انغلق في أعماله وحركته على نمط من هذه العلامات التي قد تعطيه الفسحة في الانسحاب من ساحة العمل والانكفاء على الذات بدعوى وجود الرواية الفلانية التي دعت إلى ذلك، أو تعطيه المبرر للتحرك الثائر والمنتفض على أوضاعه بناء على روايات يتوهم منها ذلك، وكانت الحصيلة إفراط هذا وتفريط ذاك.

وقد اتخذ بعضهم ـ وهو ما نلمسه حالياً بشكل موسّع ـ اتجاهات مؤلمة، كمحاولة بعضهم للارتزاق السياسي والاجتماعي!! من خلال هذه العلامات، بل رام بعضهم عرض نفسه أو مجموعته بعنوانه أحد من تحدّثت عنهم هذه العلامات، والاستعانة بطيف كبير من الأكاذيب والادعاءات مع الإمعان في استغلال عواطف الناس البريئة التي قد يستهويها الحديث فتقع في محذور التعلّق بمثل هؤلاء الأشخاص[5].

ومع تثبيت حقيقة أساسية وهي أن الأئمة صلوات الله عليهم، ومن سبقهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله على نبينا وآله وعليهم، وما حوته كتبهم وصحفهم ومزاميرهم حينما تحدّثوا عن علامات الظهور، لم يكونوا في صدد سرد قصة، أو التحديث برواية لمجرد السرد والتحديث، أو استعراض الفنون البلاغية والبيانية، أو مجاراة حالات جذب ثناء النقّاد الأدبيين، أو النأي عن انتقادهم، وإنما كان ذلك ضمن جهدهم الرامي لتوجيه ورسم المنهج الذي أرادوا لمتبعيهم أن ينتبهوا إليه ويأخذوا به أثناء مواجهتهم لحركة الطاغوت وتكريس حركة الإيمان..

أقـول: مع تثبيت هذه الحقيقة يرتسم لنا المنهج الذي يريد منا أهل البيت صلوات الله عليهم أن ننتهجه للتعامل مع علامات الظهور المذكورة في الروايات والأحاديث، ولهذا فالمطلوب هو أن تأخذ حركة علامات الظهور دورها الموجّه والراسم لمعالم مسار الحركة الرسالية في زمن غياب الإمام المعصوم صلوات الله عليه.

والسعي لاكتشاف هذا المنهج، ورسم آفاق التعامل مع هذا المنهج وتحديد ذلك، هو ما ستكون عليه مهمتنا في هذا البحث، الذي قد يجد القارئ الكريم في بعض طياته شـيئاً من الجدة في طريقة التحليل، على الرغم من أن ما في طياته مطروح في الكتب، وأشـتاته منتشرة في المصنفات، وسـعينا هنا أن نحاول من خلاله أن نلِمّ بأهم مفردات التعامل مع قضية علامات الظهور، ولذلك سنتوقف عند محطات متعـددة وجدت مجموعها جديراً برسم ما أبتغيه هنا..

فلقد تحدّثنا عن أهداف علامات الظهور، وآليات التعامل معها، كما أشرنا إلى استحقاقات الظهور وكيفية التعامل مع هذه الاستحقاقات، وتطرقنا إلى سبل الإعداد لعالم الظهور، وعلاقة زمننا المعاصر بعالم الظهور، ونظراً لخصوصية الأيام الأخيرة للظهور في هذا المنهج وخطورتها على المسار الإيماني فلقد فسحنا المجال للتأمل فيها، كما لاحظنا وجود ارتباط ما بين حركة الهدى المعاصرة مع أولويات الحركة المهدوية، ولذلك لم نفوّت الفرصة دون التحدث عن هذه الأولويات.

وختمنا حديثنا في ظاهرة أجد أنها من المعالم الأساسية في هذا المنهج، وهي ظاهرة الارتباط العضوي ما بين القضية المهدوية والعراق، والحديث هنا لم يكن عند الوطن والحدود المزعومة له، ولا علاقة له بالمسألة الوطنية العراقية، كما وأنه لم يك غافلاً عن وجود اهتمام كبير في أماكن أُخرى في هذه العلامات، وإنما كان حديثنا هنا عن الموقع شعباً ومكاناً، لارتباط هذا الموقع الجوهري بالحركة المهدوية.

على أن البحث تم التقديم له بما يمكن أن يكون واحداً من أهم المشاكل التي تعترض الحركة المهدوية، وأعني بذلك مسألة الزمان الطويل الذي مرّت وتمرّ به هذه الحركة المباركة، وما تكـتنف هذه المسألة من شبهات، وما تولّده من عقد وصعوبات.

يبقى علَيَّ أن أشير إلى أنني ـ هنا ـ لم أكُ في صدد الحديث الروائي عن علامات الظهور وحصرها وشرحها وكشف أسرارها، فهذه ـ على الرغم من أهميتها البالغة ـ إلا أنها تحتاج إلى حيز ومجال غير ما نحن فيه، ولو حصل وأوردت جملة من هذه العلامات كما هو الحال في استعراضنا لبعض هذه العلامات في الفصل السابع والثامن من الكتاب، فإن إيرادها إنما سيأتي بهدف ضرب المثل والتوضيح والاستشهاد على الفكرة المطروحة ليس إلا.

وإن جلّ اهتمامي سينصبّ على رسم منهج للتعامل السليم مع هذا الخزين الكبير من العلامات التي وردت في أحاديث أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، والتي اعتقد أن المؤمن العامل لو أخذ بما تفيض عليه من مناهج للعمل، وبما تضعه من منائر للهداية في طريق مواجهته للأزمات والمصاعب التي تكتنف حياة المؤمنين، لكان بإمكانه أن ينتخب الطريق الأكثر سلامة والأوفر حظاً في مسار حفظ العاقبة وسلامتها، وفي مسار التواصل مع الأهداف الربانية التي يجب على المؤمن أن يتفاعل معها باستمرار.

وأودّ من القارئ الكريم أن ينتبه إلى أن بعض فقرات الكتاب كتبت بشكل مركّز، كما أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي أشير إليها لها مساس مباشر بالفكرة المطروحة، وربما تشكل جزءاً من الفكرة المطروحة، لا تمثيلاً لها أو تدليلاً عليها، وحتى لا يضيّع القارئ فرصة تعرف الطرح العام للكتاب، أتمنى أن لا يمرّ على هذه الآيات الكريمة والروايات مرور من قرأ هذه الآيات والروايات قبل ذلك، وإنما يقرأها ضمن إطارها المطروح في الكتاب؛ لأنها ـ وكما أشرت آنفاً ـ قد تكون الجزء الرئيس من الفكرة المطروحة فيه، ومفروغ عنه أني لأرجو أن لا يمسك بالكتاب من يريد أن يقرأه لغرض القراءة الخالية من التأمّل والاستيعاب، أو لغرض الانتهاء من الكتاب لمجرد الوصول إلى نهايته.

وسأكون مسروراً أيّما سرور وممتنّاً لو أن القارئ الكريم لم يبخل علَيَّ بملحوظاته النقدية والإكمالية، سواء من خلال المراسلة أو المشافهة، فلا أدّعي لنفسي العصمة، ولا أدّعي لنفسي القدرة التامة على استيعاب كلّ موضوعات الكتاب التي عالجتها أو طرحتها فيه، ومن المحتم علَيَّ أني سآخذ بكلّ الملحوظات التي سأتلقاها، ولا ريب أني لن أفوّت الفرصة في الاستفادة منها في أية عملية إعادة لطبع هذا الكتاب، سائلاً الله العلي القدير أن يجعل من يتقدّم بذلك شريكاً في ثواب هذا الكتاب.

ولا بُـدّ لي أن أشير إلى أني حاولت أن أذكر أمثلة كثيرة من واقعنا المعاصر، منها ما أحسـست به في سيرتي الذاتية والعملية، ومنها ما ألِفته في ساحة العمل التي كنت أعايشها وأتعايش معها، وليس غرضي في ذلك أن أتحدث بشؤون ترتبط بالشخص، وإنما أردت بذلك أن أعالج مسألة أشعر أنها مورد معاناة كبيرة في الشأن الفكري والثقافي، وهي أن القارئ حينما يقرأ سيرة الأئمة صلوات الله عليهم، أو ما يتعلق بأي شأن عملي آخر، لا يحتمل في نفسه أن يكون هو المخاطَب في كلّ ما يتم التحدّث عنه، بل يتصوّر أن الحديث والخطاب موجّه إلى غيره، أو متعلق بحقبة تاريخية لا تعنيه، ولهذا حاولت الاستعانة بذكريات وتجارب من الواقع المعاش؛ لكي نضع الخطاب في موضع حياتنا العملية المعتادة.

فلو تحدّثنا عن الأئمة عليهم السلام وأصحابهم شعر بعضهم أن الحديث عن المعصوم صلوات الله عليه وأفعاله لا علاقة له به؛ لأنه لن يرقى إلى ذلك المستوى، وأنه لن يدرك ما كان عليه الحال عند أصحاب الأئمة عليهم السلام، بينما المطلوب أن هذه الأحاديث موجّهة إلينا نحن كأفراد نعيش في هذا القرن، لأننا معنيون بها ـ حتماً ـ كما كان أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم معنيين بها، هذا إن لم نقل بأن حديث الأئمة صلوات الله عليهم قد يكون موجه إلينا أكثر مما كان موجه لأصحابهم خاصة في مسألة علامات الظهور على إن حديث الأئمة صلوات الله عليهم لم يك حديثاً موجهاً إلى الأئمة أنفسهم، أو إلى فترة دون غيرها، بل هو حديث موجّه إلى شيعتهم في كلّ زمن.

فمن ذلك الحديث مَن يتّخذه طريقاً للاعتبار، ومنه مَن يجب عليه العمل به تأسياً واقتداءً وائتماماً، ولا سيما أحاديثهم المتعلقة بالظهور الشريف والتمهيد له، فهذا الحديث متعلّق بنا، فنحن إما أن نكون من الممهّدين للمجتمع الذي سيحظى بالظهور المباشر للإمام المنتظَر (روحي فداه)، وإما ـ وما يدريك ـ لعلنا نكون نحن المجتمع الذي سينال هذه الحظوة العظيمة والشرف الباذخ؟!

ثم إني في كثير من مباحث الكتاب، لم أتعمد أن ألعب دور المؤرخ أو الواصف للحدث التاريخي، بل سـعيت جاهداً أن أدخل في الاجتماع السياسي لـمجتمع المنتظرين، تشريحاً وتحليلاً، وفي الواقع النفسي الذي يعيشه المنتظِر والممهّد للظهور الشريف، وقد جمعت ما بين سياسة التأشير على مكامن الخلل ومواطن القوة في جانبي الصراع من جهة، وثابرت من جهة أُخرى على تقديم النصح في الطرق العملية في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتق المنتظِرين، سواء على مستوى مواجهة الاستحقاقات المترتبة على كونهم ينتمون إلى هذا المجتمع، أو على مستوى النوء بأعباء المهمة الرسالية العظيمة التي انتدبوا لأدائها.

ولهذا، فإني لا أنتظر من القارئ أن يجد في هذا الكتاب ثقافة من أجل الثقافة، بل لعل صفحات الكتاب مشحونة برؤى عملية ومناهج حركية أشعر بأنها مفيدة جداً للمنتظرين، وقد حرصت كلّ الحرص أن أجعلها مستقاة من الحياة العملية لمسيرة الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، أو قريبة من ذلك.

وإني إن نسيت أمراً، فلا يمكنني أن أنسى الجهود الكبيرة والكريمة لأحد السادة الأفاضل دام عزه، الذي ظل يرافق كثيراً من مؤلفاتي تصحيحاً وتنبيهاً وتعليقاً ونقداً بإيثار الجندي المجهول الذي آثر أن يحظى بجائزة الآخرة والرضا عند الإمام صلوات الله عليه من أن يذاع له اسم في الدنيا، وإني لأجد في بياني كثيراً من العجز والعيّ من أن أُوفي شكره وإبراز امتناني العميق له، ولكني أبتهل إلى الله الكريم المنّان أن يتولى شكره وإيفاءه جزاء المحسنين، وأن يشمله برداء السلامة والعافية.

وأملي من كلّ ذلك أن أضع في هذا البحث الذي طولبت به كثيراً من قبل عدد كبير من طلبتنا الأعزاء، ما يمكن أن يكون شفيعي بين يدي الإمام المهدي المنتظَر (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، ومن الله جلّ وعلا أستمد العون، ومن أهل بيت العترة والنبوة أستجدي اللطف لعلّي أصل إلى مقصودي ومناي، سائلاً المولى العلي القدير أن يتقبل هذا العمل بجميل كرمه وواسع جوده، وأن يجعله ذخيرة لي ولوالدَيَّ وأهلي وذرّيّتي ومَن يهمّني أمره من المؤمنين والمؤمنات يوم نلقاه.

هذا، وقد شرعت فيه في يوم ولادة الإمام الحسين صلوات الله عليه، الموافق 3/شعبان المعظّم/ 1426 للهجرة، وكنت قد كتبت كثيراً منه في فسحة من الوقت رزقنيها الله تعالى وأنا راقد في المستشفى في فراش المرض[6]، في نفس الوقت الذي كان القلب يحترق لوعة من جرائم أعداء الإمام صلوات الله عليه بحق شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق، والتي لا أشك أنها تأتي لتعرب بشكل واضح عن أنها لا تعدو إلا أن تكون من الإرهاصات المباشرة للظهور الشريف لأمل السماء والأنبياء والأولياء.

وقد انتهيت من مسودته النهائية في الأول من رجب المرجب عام 1431 فلك الحمد ربي على جميل صنعك، وحكمة بلائك، ولطيف رحمتك، اللهم عوّض شيعة أهل بيت نبيك صلواتك عليه وعليهم بحفظ الإمام المنتظَر، والنأي به عن كلّ بلاء، وإصلاح الأمر له بشديد مكرك، فأنت خير الماكرين، وبعزيز قدرتك، وأنت المقتدر العزيز، اللهم وقرّ أعيننا بتعجيل فرجه، وامنحنا توفيق الانتصار له.

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلواته وسلامه على محمد رسوله وآله أبداً.

بغداد ـ جامع بَرَاثا المقدّس

                                                                      جلال الدين علي الصغير       



[1] يحتوي العهدان القديم والجديد كثيراً من الحديث عن الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعن علامات ظهوره وزمان الظهور وما يحصل فيه، ولعل إطلالة بسيطة على سفر أشعيا ورؤيا يوحنّـا وسفر دانيال في العهدين ما يكشف النقاب عن هذه الحقيقة، وليس ذلك إلا لأنّ القضية المهدوية لا تتعلق بالمسلمين فقط حتى تكون حكراً عليهم، وإنما هي قضية كلّ الديانات، ولذلك تفصيل لا يسعنا ذِكره ضمن هذا البحث.

[2] بطبيعة الحال فإن هذا لا يعني أن العلامات لا علاقة لها بجماعة معينة أو شخص معين أو جهة معينة بشكل مطلق، بل على العكس، فإن التحدّث عن جماعة أو شخص أو ما إلى ذلك في هذا الحديث أو ذاك؛ إنما جاء ليعرب عن وجود هذه الجماعة وذلك الشخص، وسيأتي كلّامنا في عدم قبولنا بمن يحاول أن يعنْون ذكر العلامات لشخص أو جهة معينة بالعنوان الرمزي ليخرج هذه العلامات من التحدّث عن الأشخاص إلى التحدّث عن الظواهر كما هو كما هو حال الّذين ذكروا أن الحديث عن الأعور الدجال ـ مثلاً ـ إنما هو حديث عن ظاهرة، كالحضارة الغربية أو نظيرها، وليس عن شخص محدد، وافترضوا لذلك فرضيات وتمحلوا بآراء زعموا إنها أدلة وهي مما لم ينزل الله بها سلطاناً، أو أولئكم الذين رأوا إن السفياني هو ظاهرة سياسية وليس شخصاً محدد المكان والزمان، فبلغ بهم الحال أن تصورا على سبيل المثال أن أمريكا هي السفياني وأن قتلاها هم في مقام من قتل بيد السفياني!.

[3] للمخابرات البريطانية دورها المتميز جداً في استغلال الظاهرة المهدوية لتمرير أهدافها الاستراتيجية والتكتيكية في بعض الأحيان، ولو تأملنا دورها في نشأة الحركات التفريقية للأمة من جهة ودورها في تأسيس بعض هذه الحركات ـ كما هو الحال في تأسيسها للحركة الوهابية والقاديانية والبهائية وغيرها ـ لعرفنا جيداً كيف يتم استغلال القضية المهدوية في سياساتها.

[4] يمكن لإطلالة صغيرة على كتاب "النبوءة والسياسة" للكاتبة الأمريكية كريس هاليسل ما يمكن أن يكشف عن طبيعة الجهود الضخمة المبذولة من جهة الصهيونية العالمية وما يسمى بالحركة المسيحية الصهيونية في هذا الاتجاه، كما ويمكن في نفس الوقت أن يطّلع القارئ على مدى التأثير الذي تركته علامات الظهور لدى التيار اليهودي والمسيحي المتأثر بما ورد في العهدين القديم والجديد، ولا يهم هنا كون حديثهم مرتبط تارة بظهور المسيح المخلّص، وأخرى بعودة المسيح وفقاً لاختلاف الديانتين، باعتبار أن عودة المسيح عليه السلام ترتبط أساساً بظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

[5] لا بُـدّ من الإشارة هنا إلى حقيقة عمل كثير من الأجهزة الاستخباراتية ـ التي استهدفت اختراق الجو الديني لشيعة أهل البيت عليهم السلام ـ على استغلال هذه الحالة لسرعة تأثيرها على نفوس العوام، وقد استخدمت قديما وحديثاً، ولعل نظام المجرم صدام كان هو أكثر من استخدم هذه الحالة، ومن خلال هذا الاختراق ما زالت الساحة العراقية تعاني ـ وللأسف الشديد ـ من شذّاذ الآفاق هؤلاء.

[6] توقفت لفترة طويلة عن الكتابة في بعض فصول الكتاب لأسباب عدّة؛ منها: الانشغال، ومنها: عدم فراغ البال واحتباس الفكرة، وسبحان الله الذي لا تنقطع آلاؤه، فحينما رقدت في نفس المستشفى للمرة الثانية بعد فترة من الزمن وجدت الأفكار تفيض مرة أخرى، فكتبت غالبية الفصل الخامس فيها، علماً أن المستشفى تحمل الاسم المبارك للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
18 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :3850
عدد زوار الموقع الكلي: 24884545
كلمات مضيئة
قال الإمام الصادق عليه السلام: من أحبنا كان معنا أو جاء معنا يوم القيامة هكذا ثم جمع بين السبابتين ثم قال واللَّه لو أن رجلا صام النهار وقام الليل ثم لقي اللَّه بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه