بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

53: ما هي فلسفة الانتظار؟



أم إحسان الكريماوي (مجموعة حكيميون): هناك حديث عن الامام الرضا (ع): انتظار الفرج من الفرج.. السؤال ما هي فلسفة الانتظار؟ ودمتم.

الجواب: الحديث الشريف يشير إلى واحدة من مغازي فلسفة الانتظار، إذ أن مهمة الانتظار لأمر ما هو الاستعداد لتحقّقه بالشكل الذي ينسجم مع طبيعة ما يُنتَظر، إذ لا يمكن أن يقال أننا ننتظر حصول أمر ولا نرقى لمستوى الاستحقاقات المترتبة على تحققه، مما يعني أن عملية الانتظار تنطوي على علاقة جدلية بين المنتظَر والمنتظِر، إذ إن من المتيقن أن الإمام صلوات الله عليه لم يختر الغيبة إلّا لأن ظروف إقامة مجتمع العدل الإلهي كانت غير متوفرة، فمن جهة قسوة الظلمة وكثرتهم، ومن جهة أخرى قلة الناصر النوعي وعدم قابلية المجتمع لكي ينوء بحمل مهمة إقامة الهدف الرباني، ولهذا لا بد من فترة يتربّى فيها المجتمع ويتهيئ لحمل أعباء مسؤولية هذه المهمة العظمى، ولذلك كان الإنتظار من الفرج، لأن مقداراً من المهمة متعلق بالمنتظرين ومدى أهليتهم للقيام بمهمة احتضان المشروع المهدوي وتحمّل استحقاقاته، فكلّما نهض المنتظرون بمهمتهم كلما هيؤوا الأرضية المطلوبة لاحتضان هذا المشروع، وبين أيدينا روايات كثيرة تتحدث عن أن قيام الإمام صلوات الله عليه هو من الأمور المتحركة التي لم يوضع لها قيد حديدي صارم، بحيث أن وقتها لا يتزحزح، بل إن هذا القيام يتقدّم ويتأخّر وفقاً للظروف الاجتماعية، فلقد سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام فقال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: بلى، ولكنكم أذعتم فأخّره الله.[1]

عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن عليا عليه السلام كان يقول: "إلى السبعين بلاء" وكان يقول: "بعد البلاء رخاء"، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء!. فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت إن الله تعالى كان وقت هذا الامر في السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخّره الله، ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتا، و{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}.

قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال : قد كان ذاك.[2]

وعن إسحاق بن عمار الصيرفي قال: "سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول: قد كان لهذا الأمر وقت، وكان في سنة أربعين ومائة، فحدّثتم به وأذعتموه فأخّره الله عزّ وجلّ".[3]

وعنه أيضاً قال: "قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ): يا أبا إسحاق ، إن هذا الأمر قد أخّر مرتين.[4]

ولهذا قرن الله عملية الاستعداد لحمل الأمانة الربانية في هذا المجال بمبدأ الاستبدال فالمجتمع إن لم يقم بهذه المهمة فإن الله يستبدله بآخرين {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}[5] وعليه فإن مهمة الانتظار متلازمة مع العمل من أجل المشروع المهدوي والاستعداد لكل ما يترتب عليه هذا المشروع، وهو على نحوين انتظار ذاتي يتمثل بتهيئة المحتوى الذاتي للمنتظر، وإنتظار الجماعة المنتظرة أو الأمة المنتظرة وتتمثل علاوة على الوصول بالمحتوى الذاتي لأفرادها إلى قدرة حمل الأمانة، بتهيئة الظروف الموضوعية لهذه العملية، وقد تحدّثنا في الجزء الأول من كتابنا علامات الظهور عن ذلك بالتفصيل.


[1] غيبة النعماني: 299 ب16 ح1

[2] غيبة الطوسي: 428 ح417، وقريب منه ما في غيبة النعماني: 304 ب16 ح10.

[3] غيبة النعماني: 303 ب16 ح8.

[4] غيبة النعماني: 303 ب16 ح9.

[5] سورة محمد صلوات الله عليه وآله: 38.

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
17 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :4054
عدد زوار الموقع الكلي: 24910705
كلمات مضيئة
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين