بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

195: هل أن ملاقاة الإمام المنتظر عليه السلام مستحيلة؟

6435طباعة الموضوع 2013-06-12

195: هل أن ملاقاة الإمام المنتظر عليه السلام مستحيلة؟

سالم (جامع براثا): هناك من طرح مؤخراً استحالة ملاقاة الإمام عجل الله فرجه ورؤيته وأنه لم يلتق به أحد ولن يلتقي به أحداً، معبّراً عن أنه يفتي بذلك! وقد تحدّث بطريقة التهكم بالدعاوى بالملاقاة، والتي تتحدث عن أن الإمام عليه السلام دلّ فلاناً على الطريق أو ما أشبه ذلك! فما هو رأيكم؟

الجواب: استمعت إلى الحديث الذي طرح مؤخراً وتأسفت لذلك أيّما تأسّف، خاصة وأن ما يتحدّث عنه في هذا المجال هو مخالف لنفس المباني التي سبق له أن تحدّث عنها بنفسه، وبمعزل عن البعد الشخصي في الموضوع، فإننا يمكننا أن نلاحظ التالي:

 أولاً: إن مثل هذه القضايا لا يسري عليها الإفتاء، فالإفتاء إنما هو للأحكام الشرعية، وليس في البين حكم شرعي حتى نتحدث عنه بطريقة الفتيا، وإنما هي مسألة ترتبط بالتاريخ والحديث والعقائد.

ثانياً: إن الرواية الشريفة التي يتم الاستناد إليها في هذا المجال هي قول الإمام صلوات الله عليه: وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر.[1]

وهذه الرواية مهما تشددنا فيها فهي لا تذهب إلى نفي الملاقاة، بل ولا يمكن أن نتلمس منها ذلك، فهي خاصة بمن ادعى المشاهدة، وما من ريب فإنها لم تنف ملاقاة من لم يدّع المشاهدة، فالتوقف هنا خاص بدعوى المشاهدة أيّاً كان تفسير المشاهدة، ولكننا لا نجد أي توقف في شأن من لاقى ولم يدّع ذلك، فمن تشرّف بالحضور بين يدي الحجة صلوات الله عليه ولم يدّع ذلك من أين يتأتّى لنا أن ننفي عنه هذه الملاقاة؟.

وبالرغم من أن المشاهدة الممنوعة هنا وفق هذا الخبر وسياقه هي المشاهدة التي تنبئ عن النيابة للإمام روحي فداه أو تعرب عن السفارة عنه بأبي وأمي بالنسبة لمن يدعيها، لا أية مشاهدة أخرى، وهذا هو مبنى العلماء الأعلام.

ثالثاً: لا أدري من أين أتى المتحدّث بنفي الملاقاة بهذه الطريقة الجازمة، مع أن هذا الأمر يتنافى مع المعطيات العقلية والعقائدية والنقلية والتاريخية، فمن الناحية العقلية البحتة فإن نفي الملاقاة بالطريقة التي أشار إليها المتحدث يستدعي إلزام نفس الإمام صلوات الله عليه بعدم الملاقاة، لأن الملاقاة تارة تحصل من طالبها من الإمام روحي فداه، وأخرى تحصل من نفس الإمام صلوات الله عليه لسبب وآخر، وهذا الإلزام إما أن يكون تشريعياً، وهو أمر لا يمتلك المتحدّث أي مستند عليه من جهة النصوص الشريفة، وإما أن يكون تكوينياً، وهو محال لأنه يستلزم أن تكون إرادة الإمام صلوات الله عليه مجبرة.

ومن الناحية العقائدية فإن الملاقاة إذا استهدفت تبديد الشكوك التي تعتمل في العادة في داخل النفوس نتيجة لحالة الغيبة، وعملت على ترسيخ الهداية في النفوس واخراجها من حالة الضياع والإرتياب الناجم من طول الغيبة، ألا تكون من جملة واجبات الإمام روحي فداه؟

ولا يمكن التحجج بأن الملاقاة تمت لأمور بسيطة، لأن ما استصغره المتحدّث أكبره القرآن الكريم وسيرة الأئمة صلوات الله عليهم، وإلا ما جدوى أن يعرض علينا القرآن الكثير من الأعمال الخاصة بالأنبياء عليهم السلام والتي تعلقت بأفراد عاديين كما هو الحال في ما فعله العبد الصالح مع الغلام والسفينة والجدار، وما فعله عيسى عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص وإحيائه للموتى وأمثال ذلك.

وبخلافها فما جدوى أن نرى أعمال الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام وقد أولوا عناية خاصة بأفراد عاديين جداً؟ أقول: ما جدوى هذه الأعمال؟ لو نفينا عنها مطلب الهداية وتأثر الناظرين والسامعين لهذا الأمر بما يترتب على ذلك، ولكنها كانت ذات فائدة عظيمة عملت على تثبيت القلوب وتنبيه العقول وتذليل النفوس لأغراض الهداية وكلها تمت وهي تتوخى الآثار المباشرة وغير المباشرة لمثل هذه الأمور، وهنا علينا أن نتذكر أن ما جرى مما نتصوره بأنه مجرد شأن شخصي خاص بهذا الشخص او ذاك، إنما يثبّت نصاً، وهذا النص من المجزوم به لن يكون خاصاً بعصر صاحب النص، ولا خصيصاً بخصوصية شخص المنصوص عليه، وإنما سيدخل ضمن بنى التأثير العقائدي والمعنوي في الأمة، مما يخرجه من الشأن العادي ويحوّله إلى شان تربوي تعنى به الأمة.

لقد قرأنا قصة الشيخ ابن قُولويه رضوان الله عليه في سعيه للقاء الإمام صلوات الله عليه في سنة نصب الحجر الأسود بعد سرقته من قبل القرامطة عليهم لعائن الله، وقرأنا قصص السيد بحر العلوم الكبير رضوان الله عليه وكذلك مئات القصص التي تركت آثاراً في غاية الأهمية مع مرور الأجيال واحتدام الفتن وضيق الآفاق، ولا زالت تعطي ثمار جدية في تربية الناس، مع التنويه إلى أن من الوهم بمكان أن نتصور أن الأمة هي طبقة الفلاسفة والمتفلسفين أو طبقة النخبة وما يقرب منها بحيث قد يبدو بأنها لا تحتاج إلى مثل ذلك، فالسواد الأعظم للأمة هي أبعد ما تكون عن مثل هذه الطبقات، ومن يريد أن يمارس منهجاً تغييرياً وعميقاً في الأمة عليه أن يعتمد نفس أساليب مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وهي الأساليب التي قيل في الكثير منها ما قيل من طبقة المتفيقهين وأنصاف المثقفين بأنها مما لا معوّل عليها في نهوض الأمة، وتبين من بعد ذلك أن لها الدور الأعظم في تعبئة الأمة وترصيفها ضمن طريق الهداية، وإن كان بالمعنى الارتكازي لهذه الكلمة.

وكلامي هذا يجب أن لا يفهم بأني أدعو إلى الخرافة وتسطيح الوعي وما إلى ذلك، فشتّان ما بين هذا وذاك، ولكن كما قيل في الشعائر الحسينية ومن قبلها على المنبر الحسيني ومن قبلها على الحسينيات ومن قبلها على الشهادة الثالثة في الأذان ومن قبلها عشرات القضايا ووسمت جميعها بأنها طريق الخرافة وأساليب غريبة عن الدين وغير لائقة بمشروعه الحضاري و.. إلخ، ثم تبيّن أن هذه الآليات على بساطتها الظاهرية كان تحمل أعماقاً في البناء الاجتماعي لم يرصدها جميع هؤلاء، وأن لها قدرة تعبوية فريدة في التفاعل مع آليات التغيير الاجتماعي، وتبيّن من بعد ذلك أن هذه الآليات هي التي سوّرت المذهب وأحاطت به حراسة وصوناً وحفظاً، وكان من نكبة الوعي أن من حسبوا أنفسهم من أهل الثقافة والفكر ابتعدوا عنها، بحجة أن من يمارسها عليه المثلبة الأخلاقية الفلانية والمنقصة الكذائية، وراحوا يشنّعون عليها أشد التشنيع ولكن ما أن تعاونوا على إسقاط هيبتها حتى علا الجميع ظلم الظلمة وجبروت الطغاة، وكم كان الأجدر بهم أن يتحدّثوا بحديث الترشيد لأصحاب المثالب والتوعية لأصحاب النقائص، فليس العيب في صلاة الفسقة، وإنما العيب في نفس الفسقة أنهم لم يقدّروا الصلاة حق قدرها، فهل نمنع الصلاة بسبب وجود أنماط من هؤلاء؟.

وما من شك أن هناك من ذهب في مسألة الملاقاة إلى طرق الدجل واسترزاق الناس كذباً وزوراً، وما من شك في أن البعض امتهن هذه القضية بصورة رخيصة، ولكن كل ذلك ليس بمدعاة للإنتقاص من نفس القضية، وإنما هو التصدي للدجاجلة وفضحهم وقطع الطريق عليهم في أن ينفذوا لوعي الناس أو يستغلوا عواطفهم ومشاعرهم الطاهرة تجاه إمامهم صلوات الله عليه.

ومن الناحية النقلية فقد صرحت غير رواية عن أن الإمام صلوات الله عليه يلتقي خدّامه ومن يلون أمره، فلقد روى الكليني موثّقة إسحاق بن عمار الصيرفي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: للقائم غيبتان: احدهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه.[2]

وروى الشيخ النعماني مثلها ولكن فيها: إلا خاصة مواليه في دينه.[3]

وكذا ما رواه الشيخ النعماني بسنده للمفضل بن عمر الجعفي رضوان الله عليه عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: أحدهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره، إلاّ المولى الذي يلي أمره.[4]

وهذه الروايات وغيرها دالّة على حصول الملاقاة وإن حصرتها بخاصة الخاصة، ولكنها تؤكد على حصول الملاقاة.

أما من الناحية التاريخية فلدينا حديث متواتر عن ملاقاة الكثيرين للإمام صلوات الله عليه، ولا سبيل لنفي ذلك، لأن النافي لا يمتلك دليل النفي، نعم يمكن له أن يقول بأني لم اطمئن لحصول ذلك، أو أن أخبارها لم تصلني بالطريق الذي أثق به، ولكن النفي بهذه الطريقة يمثل مجانبة كبيرة للأصول المعتمدة في مجالات كهذه، خصوصاً وأن ذلك يقدح بالمئات من العلماء والصالحين بدون مستند، وهؤلاء جميعاً لم يتحدّثوا عن سفارة أو نيابة وإنما حكوا عن أنهم تشرّفوا بلقياه روحي فداه بنحو من الأنحاء.

 

[1] كمال الدين وتمام النعمة: 516 ب45 ح44، غيبة الطوسي: 295 ح365 وفيه: كذّاب مفتر.

[2] الكافي 1: 340 ب138 ح19.

[3] غيبة النعماني: 175 ب10.

[4] غيبة النعماني: 176 ب10.

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
أرام
الى الشيخ جلال الدين العزيز
2013-6-17
رواية الشيخ النعمانى صحيحة %100
عبدالله البلادي
أصحاب الامام
2013-6-17
سؤال الى سماحة الشيخ

ما هي الصفات الواجب توافرها في الفرد المؤمن لكي يكون مؤهلا أو موفقا في الانضمام الى جيش الامام المهدي ويكون من اصحابه (أرواحبا له الفداء).
محمد عدنان
رأي
2013-6-17
اعتقد ان الحديث متعلق بوقت الظهور وتكذيب كل من يدعي ظهوره الشريف قبل العلامات المذكورة فيه وليس متعلق بالمشاهدات الشخصية والفردية والتي هي ليست متعلقة ببدء ظهوره الشريف وانما بمسائل شخصية
كرار
صحبة الامام
2013-6-16
بسم الله

لقد سمعت حديث السد الحيدري والمني جدا صراحة.. اني من اشد المعجبين به... لكن للحقيقه يجب ان اذكر اني قبل اكثر من عشر سنين قد رأيت الامام ( عج ) في الرؤيا ومما سالته كان هل لديك اصدقاء. فقال لي انا لا اعيش بدون اصحاب ففي كل زمان لدي اصحاب.. هذا بالنص مال قاله لي .. وسالته ان كان متزوج ام لا.. وغيرها واجابني...
sadiqaledani
العراق - البصرة
2013-6-15
تؤكد الروايات بأن اليماني سيظهر في نفس وقت ظهور السفياني وتتحدث أيضا بأن السفياني سيدخل العراق بعد شهرين من حروبه في الشام ولكن لو كان اليماني من العراق كما تفضلتم به شيخنا هذا يعني أنه موجود في العراق عند دخول السفياني فكيف لايمنع او يتصدي للسفياني حينها ؟
المنتظر المرتقب
نهر النيل وإثيوبيا
2013-6-14
السلام عليكم بارك الله بكم شيخنا ونهنئكم بمناسبة مولد الامام الحسين ابن علي عليهم السلام وعلي الاكبر وأبو الفضل العباس عليهم السلام شيخنا الفاضل متابعون لك عن كثب وتحاليليلك موضوعيه وواقعية حسب الزمان والمكان ما رأيك شيخنا بهذه الروايات التي تتكلم عن نهر النيل الخاص بمصر فقد جاء في خطبة البيان المنسوبة للأمام علي بن ابي طالب عليه السلام بأن المهدي عليه السلام يدخل مصر وقد نقص نيلها (فيوافي مصر وقد نقص نيلها وقل نيلها ويبست أشجارها وعدمت ثمارها وحسب الاخبار ان يوجد لزمه بين مصر وإثيوبيا فهل يوجد ما يؤكد من اهل البيت عليهم السلام ما يؤكد هذه الروايات ؟؟؟ ومالذي تتوقعه يا شيخنا الفاضل ولكم منا اجمل التبريكات والدعاء لكم موفقين بحق محمد وال محمد وشكرا
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
27 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :8506
عدد زوار الموقع الكلي: 24851763
كلمات مضيئة
الإمام الصادق عن عمه الشهيد زيد بن علي: كان عالما وكان صدوقاً