لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت ولا زلت اطلع على ما كتبه الاخوة الاعزاء والاخوات الكريمات وما من شك ان غالبية ما كتب ينزع من رغبة جادة في انتشال الاوضاع من الواقع المر الذي نحياه الى الواقع الذي نتمناه وهذا حق طبيعي للجميع، ولكن هل ان المرحلة التي نحياها تتناسب مع ما نطرح؟ اي هل ان ما نطرحه يعالج الوجع الذي نحن فيه؟ ام انه يتعلق بالعلاجات العامة التي توصلنا الى الجمهورية الفاضلة التي نرسمها في اذهاننا، وما من شك ان هذه العلاجات تبقى مطلوبة نظريا، ولكن واقعيات السياسة ترسم خطا ما بين الواقع الذي نحياه بكل ما فيه من الوان الضرر والفساد والفشل والعطب وكل ما يترك اثرا مرا في الفم وغصة في الحلق وحشرجة في الصدر وبين ما يعرف بنظرية البجعة السوداء او طوارئ المجهول غير المتوقع وان كان مستحيلا مع هامش يحاول ان يقفز بنا على الواقع المر بمقدار معقول.
اعتقد ان غالبية الذين تسنموا مواقعا مسؤولة لو عزلتهم عن ممارساتهم صالحة كانت او سيئة يتكلمون بنفس منطق الاوجاع التي يتكلم عنها الاخوة وكانت لديهم نفس الامال الوردية التي تداعب مخيلات الاخوة ولكن حينما ينغمسوا في تفاصيل الدولة سيجدون امرا اخرا اسمه المحددات والموانع تبتدا من البيروقراطيات التي تاكل الادارة ولن تنتهي عند التخصيصات المالية والمنظومات القانونية والمنازعات السياسية والتنافر المجتمعي، ولهذا سرعان ما تتحول تلك النظريات والمثل مهما كانت مقدسة الى الرف لان مجال تنفيذها لم يحن بعد.
اعتقد ان المشكلة ليست تنظيرية بقدر ما هي كامنة في جملة مرتكزات، منها تحديد نمط السياسة التي نريد، فهل هي سياسة رفع الانقاض؟ ام هي سياسة البناء على الانقاض؟ ام هي سياسة استبدال الارض لكي نبني عليها؟
الانقاض المتشكلة من الفساد وسوء الادارة وسوء القوانين وتنافرها والتجاوز عليها وامثالها هي حزمة هائلة لا زالت تنتج افرازات اكثر تعقيدا لان من يريد ان ينقض ذلك يجد ان البنية التي وقف عليها كلها خادمة لهذه الانقاض ومتشكلة منها، ولهذا سرعان ما يتم النظر الى مشاكلها بضجر ثم تجد نفسها تتموضع على الرف مثلها مثل المبادئ والقيم غاية ما هنالك ان الاولى وضعت لانها غريبة عن الواقع والثانية وضعت لانها متسيدة على الواقع.
ولذلك تجد واقعنا مجموعة من السياسات المتنافرة لا يجمعها جامع ولا يحدها حد وهو امر تجده في الامن والاقتصاد والتشريع والتعليم وكل القطاعات.
وهنا الفت نظر الاعزة الى نمطين من السياسات تتنازع على وعينا وواقعنا دعوني اسمي واحدة منها سياسة تحقيق الانجاز والاخرى سياسة دفع الضرر ومع انهما ليستا من النوع المتناقض ولكنهما يتنازعان ولاشك على الموارد والامكانات والفرص وما لم نشخص اي نوع ننتخب لا يمكننا ان نتخطى ازمة الواقع بكل ما فيه.
لقد كانت داعش في تمددها بمثابة البجعة السوداء (مثال يطرح في علوم القيادة وإدارة الأزمات للآزمة غير المتوقعة) بالنسبة لغالبية المسؤولين قبل ٤ سنين ولكنها اليوم واقع يضرب باطنابه ويهدد ويتوعد ويفعل وما الى ذلك، فباي سياسة نواجهه؟
كل الواقع يتحدث ان اجراءات الحكومة في غالبيتها العظمى ليست مشاركة في المواجهة نتيجة لان الحرب على داعش لم تتحول في الوعي والممارسة الحكومية الى الاولوية الاولى التي يجب ان تخضع لها كل الاولويات لذلك لدينا معاناة في التسليح كمثال ناجمة من ان الموازنات لم تراع هذه الاولوية، ولدينا ازمة اشاعة داعشية لان اعلامنا لم يدخل المعركة مع داعش بعنوانها الاولوية بل وللاسف نجد دخوله بمقدار الادرار الحزبي وليس بمقدار الهم الوطني. وقس على ذلك كل اعمال الحكومة والسياسة. ولو اردت ان اتجاوز سوء الظن بالجميع فان الخلل بعود الى ان بعضنا لا زال يفكر باجواء الاسترخاء التي لا ينغصها ضرر محدق، بينما لو تحول الجميع على سياسة دفع الضرر وتوحدوا عليه ورضخت الحسابات كلها له عند ذلك لن تجد مشكلة لا في المال ولا في الرجال وليسمح لنا المسرح الفلاني في تاجيل المسرحية الفلانية وليتاجل رصف الشوارع القرميدي ولينتظر تجديد تاثيث المؤسسة الفلانية وهكذا يتراصف كل الجهد والمال من اجل دفع الضرر الواقع، وحينما يندفع الضرر الاكبر سيتحول الهم الى الضرر الاخر وهكذا.
لقد كانت المرجعية الدينية حينما اعلنت عن موقفها بشان الجهاد الكفائي تطلق صيحة بوجه الجميع لكي يتوجهوا لدفع الضرر المحدق بالجميع، ولكن الاستجابة السياسية العامة كانت الى البلادة اقرب منها الى الجدية اذ فهمت ان المطلوب هو جندي في ارض المعركة فقط، ولم تفهم انها سياسة رافضة لنظام ادارة الازمة بكل تشكلاتها ودعوة لنمط جديد يتحول فيه الجندي والضابط والوزير والبرلماني والمدير، وكذا السياسة والاقتصاد والتشريع والتعليم والاعلام والاحزاب وما الى ذلك لسياسات التحشد من اجل دفع الضرر، لان الجميع في نفس القارب الذي ثقبته داعش.
لقد كانت صرخات الاستاذ عمر... يوم امس والتفاعل الذي حصل معه يعرب عن نمطين من الاستجابة، ففيما اعرب السيد... بوضوح ان المركب يغرق بالجميع وان عنونها بعنوان وحود اعداد من المحاصرين، كان البعض يسليه بان الازمة ليست بهذا الحجم لان الجنود لم يحاصروا وبقي الحل في ذهن البعض هل ننقذ هؤلاء وكيف؟
كل الاستجابات كانت طبيعية ومقدرة ويعتز بها ولكن اعتقد ان الاستجابة الحقيقية والجادة التي يجب ان تتبلور هي في النزوع لفكر واحد تجاه الازمة وتأجيل كل ما عداها ففي الوقت سعة للتحاور في شان الملفات الاقل ضررا.
لن ينفع اليوم انتقاد الاداء الحكومي لان فلانا انخذ الطريقة الفلانية ولم يتخذ الطريقة الفلانية وانما المطلوب هو دعوة الحكومة كي تتوحد مع البرلمان في سياسات تعطي الازمة اولويتها الخاصة، وتسير بالجميع نحو ايقاف العدوان ودحره، ومن بعد دحر العدوان سنجد سعة كبيرة لدينا لتبادل الانتقاد.
لقد اظهر الحشد الشعبي قدرة كبيرة في مجابهة العدوان ودحره وهي في الواقع قدرة العراقي حينما يتفرغ لمنازلة العدوان، وإني لأعجب للسياسة ان لا تأخذ من هذا الذي ترك كل شيء من اجل ان يواجه الازمة كيف لا تترك كل نزاعاتها الجدلية المبنية على الهاجس المتبادل، وتنزع للتوجه ضد عدو غاشم لا يعرف في عدوانه مسميات السياسة ولا طوائفها ولا مكوناتها بقدر ما يعرف عدوانه على الجميع.
من مقالة كتبها سماحة الشيخ لملتقى الرافدين وهو يضم نخبة من سياسيي العراق ومن كل طوائفه وقومياته