بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

آليات البحث عن الفرق والمذاهب الإسلامية (القسم الأول)



آليات البحث عن الفرق والمذاهب الإسلامية (القسم الأول)

على الرغم من أهمية موضوع الفرق والمذاهب الإسلامية لدى الجميع، إلا إن من الملاحظ إن سمات الآلية الموضوعية في التعامل مع هذا الأمور أشبه بالمفقودة، فالذي يهمه الواقع الديني معني على الأقل بالتفحّص الدقّي في الأمر لأنه يعتقد بما يترتب على حديث الفرقة الناجية، وبالتالي لا يمكن أن يتعامل مع الموضوع تعامل المتسامح أو الذي يمر على الأمر مرور الكرام، فهو الذي نبهّه النص الديني بعدم حيادية الحزبيين، فكل حزب بما لديهم فرحون وفقاً للتعبير القرآني الشريف،[1] والمعني بالأمر من الناحية التاريخية عن الجانب الديني هو الآخر مطالب بالدقة لا سيما وهو متيقّن من إن كتابة الأصول التاريخية لم تتسم بالموضوعية اطلاقاً لا أقل من جهة محدودية موارد المعلومة التاريخية أو عدم تكاملها لدى كتاب الأصول التاريخية مما جعل المعلومة التي يقدّمونها بحاجة دوماً أو التحقيق لا سيما وإن المدقّق من كتّاب الأصول قد يعمد لذكر الخبر الواحد بشكل متناقض في نفس الكتاب وفي نفس الصفحة في بعض الأحيان، والمعني بالشأن العلمي هو أكثر المعنيين بعملية التدقيق فيما ينسب إلى الفرق، خاصة وإنه لا مجال للقول بأن التدوين المذهبي اتسم بالموضوعية فيما نقل عن الآخرين، أو بالشمولية فيما عرف به نفسه، فكم قد تجد المدونين المذهبيين يعيبون على غيرهم ما هم أكثر إلتزاماً به، وكم تراهم يغفلون او يتغافلون عما يوجد لديهم كما هو الحال في شأن موضوع تحريف القرآن مثلاً وغيرها كثير، أما الذي يريد أن يتوخى الحقيقة كما هو، فلا مجال أمامه إلا من ان يكون في تمام الحذر والريبة مما يقال حتى يتيقن من ذلك، فساحة الجدل المذهبي فيها صخب كبير، وكل واحد من هؤلاء متهم سلفاً ـ إلى أن يثبت العكس ـ في إنه يحاول أن يحيد النار إلى قرصه من خلال تقديم المعلومة المضلّلة أو المعتّمة على حقائق الآخرين، وإذا كان التسامح ممكناً في حق بعض الفرق لعدم وجود شأنية تذكر لها في الواقع المعاصر كما هو الحال في كثير من الفرق التي اندثرت، فإن أي تسامح في موضوع البحث عن الفرق التي المعاصر هو السمة التي يجب أن تلتزم بها أي دراسة تريد لعقل قارئها الاحترام فضلاً عما يريده نفس الباحث احتراماً لنفسه ولعقله، فالموضوع يتداخل فيه السياسي مع الديني إلى حد كبير وهذا التداخل فسح المجال للمعلومة المضللة أو المتحيزة أن تتربع على طريق الباحثين، ولئن توّضح هذا الموضوع في أحد فإنه في الموضوع الشيعي من أوضح القضايا، فالتشيع جمع دوماً بين الحالة السياسية ـ حتى لو لم يطلبها فإن الحكام قد طلبوها ـ فهو اتجاه اجتماعي مسيّس سلفاً وكان في موقع المعارضة غالباً وخاض في العديد من الأحيان صراعاً لم يخلو من الدموية كما هو الحال في الثورات الشيعية أو المحسوبة على التشيع، أو في حركات القمع المسلطة عليهم من قبل شتى الأنظمة وأقساها كان في حكم الأمويين والعباسيين والمماليك والأيوبيين والسلاجقة والمماليك والحكام المتعاقبين من العثمانيين من بعد السلطان سليم، وكل ذلك دفع بكمية كبيرة من المعلومات المضللة على قارعة طريق الباحثين، وبين الحالة الدينية الأصولية والشمولية والتي تجد نفسها هي الوارث الوحيد للرسول (صلوات الله عليه وآله) بينما يراها الآخرون هي الضلال المبين، وما بين هذا وذاك انتشرت شظايا المعلومات المختلفة، وتشظّت الحقيقة إلى نتف صغيرة وسط صخب كبير وضجيج أكبر.

ولعلنا لو استحضرنا الحالة التي مرّ بها كلا من الحاكم النيسابوري نتيجة لبعض ما رواه في المستدرك بفضل أمير المؤمنين (عليه السلام) لا سيما حديث من كنت مولاه وحديث الطير،[2] ولربما لأنه التزم أيضا بالصلاة على الآل الطاهرين في كل مرة ذكر رسول الله (صلوات الله عليه وآله) في كتاب المستدرك على خلاف غيره الذين يصلون على النبي من دون آله (صلوات الله عليه وعليهم)، ومن قبله الحافظ النسائي صاحب السنن بسبب تأليفه لكتاب خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد تعرضا إلى عنت شديد استشهد النسائي على أثره بعد أن ضرب ضرباً شديدا ودفع في خصييه في دمشق،[3] أقول: لو استحضرنا هذه الحالة وهي متعلقة بكبار علماء القوم ـ فكم لديهم كالحاكم النيسابوري وكم لديهم كالنسائي وقد تعاملوا معهم بهذه الطريقة ـ لعرفنا إن المعلومة الدقيقة التي تكلّف من يرويها آنذاك هذه الأثمان ستكون أندر من أن يعرض لها كتّاب السلاطين ورواة الحشوية ومقلّدي المؤلفين، فلا تغفل وتنبّه!

وعليه فلا مندوحة أمامنا إلا من خلال محاولة السير بدقة متناهية وسط كل الألغام المرتقبة والمتوقعة، ومع أن ما نريد التحدّث عنه، إنما هو تقرير لواقع حادث ولتاريخ ناجز، إلّا إن ما لا غنى لنا عنه هو التجرّد من المسبّقات الفكرية والمعنوية، فقد تكون هذه المسبّقات صحيحة وقد لا تكون، ولكنها مع كل ذلك لعبت دوماً دوراً معطلاً بشكل كبير، بل أعطت لنفسها مشروعية التضليل بشكل كفوء جداً، وأنا أدرك تماماً إن عملية التجرد المطلوبة ستكون قاسية لدى البعض، لأنها قد تتجه إلى تدنيس ما هو مقدّس، أو إلى تطهير ما هو مدنّس، وكلاهما صعبان، ولكن نيل ما هو أهم من كل ذلك وأعني بذلك الحقيقة، ربما يخفف وطأة التخلّي عن المقدّسات الكاذبة أو تطهير المدنّسات، رغم الضريبة التي يمكن أن تدفع في هذا المجال، ولربما العودة لمثالي النسائي والحاكم النيسابوري ما يفصح عن جانب من هذه الصورة.

وإذا ما قدّر لهذا الأمر أن يكون واضحاً، فإن الأمر الآخر الذي يجب أن نلفت إليه هو خطورة مواقف الفرق والمذاهب بالنوايا والمسبقات المعنوية والمزاجات النفسية، فنحن هنا لا نتحدث عن مسألة بسيطة، وإنما نتحدث عن قضية في غاية الأهمية بالنسبة لمن يلتزم أو ينتسب لهذه الفرقة أو تلك، ولهذا فإن التحدّث بلغة معرفة النوايا سيكون حديثاً مهما بدا دقيقاً فإنه على الأقل خلياً من الدليل ومفتقراً إلى الحجة، ومن هنا كان لسان أسامة بن زيد أمام رسول الله (صلوات الله عليه وآله) أخرساً حينما قال له في قتله بن في أحد الغزوات واعلان الرجل إسلامه قبل القتل وتعمد أسامة لقتله بدعوى إن المرداس إنما قالها لما رأى حرارة السيف: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم بأنه قالها أم لا؟[4] فالنوايا أمر لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى وصاحبه، والتحدّث عنها وباسمها من قبل الغير يمثل تعسفاً ما بعده من تعسّف، والمؤلم إن كتب تأريخ الفرق حافلة بما يمكن أن يكون تفسيراً للنوايا أكثر مما هو تثبيت لدليل أو ابراز لبرهان!!.

وليست مسألة الحكم على الأشياء بناء على المسبّقات المعنوية المنطوية على المحبة والكراهية والارتياح وعدمه وأشباههما من العواطف والأحاسيس بأقل خطورة على الموقف السليم في هذا الشأن من الحكم بالنوايا، فمع الإجلال لعاطفة الحب والكره بعنوانها من المكونات الطبيعية للنفس الإنسانية، ولكن من قال إن هذه العاطفة قادرة على قيادة عقل الإنسان وتنظيم فكره؟ ومن أعطاها هذه القدرة لكي تميز بين الحق والباطل؟ والعجيب إنك تقرأ للكثير من الكتاب أفكار نظمتها هذه العاطفة أكثر من أن تكون عقولهم وراءها فأنت تقرأ للعديدين من مؤرخي الفرق ـ وعلى سبيل المثال ـ كلاماً حول الفرقة الناجية وقطعهم على إنها فرقتهم مع صب الويل والثبور على بقية الفرقاء، وحين تسألهم: ولكن الفرقة الناجية هي فرقة واحدة، وما سواها فرق متعددة فيأخذون بعد أفكار أشخاص بعنوانها فرقة، بينما يحجمون عن تسمية أفكار فرقة بأنها مذهباً، ومثاله تراهم يصنفون الشيعة بناء على أفكار بعض الرواة والمحدثين كزرارة بن أعين وهشام بن الحكم والمفضل بن عمر الجعفي وهشام بن سالم الجواليقي ومؤمن الطاق ومحمد بن سنان وغيرهم ـ بغض النظر عن حقيقة ما ينسب لهؤلاء

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
27 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :4261
عدد زوار الموقع الكلي: 24847518
كلمات مضيئة
قال الامام العسكري عليه السلام : قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه.