آدمن سابق في غرفة الغدير
اعرف سماحة الشيخ الصغير منذ أيام سنة 2001 حينما دخل محاضراً في غرفة العقائد الحقّة والتي تحولت بعد ذلك إلى غرفة الغدير، وكان قد أسسها الأخ النبيل قنبر العاملي، وكانت الغرفة مختصة بالردود العقائدية على انحرافات بعض المحسوبين على الشيعة ممن كان حزب الدعوة يحميهم، ولديهم غرفة خاصة بهم اسمها رسالتنا كان يديرها النائب الحالي علي العلاق ويتواجد فيها النائب عدنان الأسدي وحسين الشامي وشمران العجلي وغيرهم من كوادر حزب الدعوة ويحضر فيها فضل الله كل يوم سبت، وكانت غرفة العقائد الحقة قبل دخول الشيخ الصغير إلى البالتوك محدودة الدور، وفي وقتها كانت غرفة الحق هي الغرفة الأكبر للشيعة تليها رسالتنا، ولكن دخول الشيخ الصغير غيّر الموازين رأساً على عقب في كل الاتجاهات، كنا نستمع إليه وهو يتكلم عن الانحرافات العقائدية بصراحة ودون وجل وكانت موجة الشتامين والسبابين له تغزونا وبشكل فاحش كل ما بدأ الشيخ الصغير بالحديث، وما اعتدنا إن لا نرد عليهم، ولكن كان الشيخ ينهانا عن الرد عليهم ومعاملتهم بالمثل، وكان والله يقابل شتيمتهم ببرودة أعصاب متناهية وبدعاء لهم.. كان الشيخ آنذاك قد وصل للتو إلى الدنمارك ولكنه لم يستقر بعد، ولذلك كان يدخل في اوقات متفرقة مع الشيخ نبيل علوان ولعله من بيته كما حصل اكثر من مرة، ولكن مع الأيام بدأ حضور الشيخ يصبح يومياً، واستطاع ان يدحر فكر المنحرفين بحيث اضطرهم لإغلاق غرفتهم (رسالتنا) نتيجة لرفض الناس الدخول إليها بعد انفضاحهم، وتحولت غرفة العقائد الحقة إلى الغرفة الثانية للتشيع، وتم تغييرها إلى غرفة الغدير بعد اجتماع بين المشرفين الأساسيين عليها وهم سماحة الشيخ والأخ قنبر العاملي (لبناني) والأخ منامة (بحريني) والأخ السيد موسى والأخ عكروك والسيد دليلي وثلاثتهم عراقيين (وكل الأسماء مستعارة ما عدا سماحة الشيخ الذي كان يدخل باسمه قبل ان يبدأ بالدخول باسم ممهد 313) والتي سرعان ما تحولت إلى الغرفة رقم واحد والفضل الأكبر كان يعود ولا شك إلى سماحة الشيخ الذي كان يتواجد محاضراً ومحاوراً على مدى اليوم بطوله وكنا نتعجب متى ينام؟ وكانت محاضراته الرئيسية في اليوم 3 إلى 4 محاضرات غير الحوار الذي كان يجريه مع رجالات الوهابية التي كانت قبل مجيئ سماحة الشيخ إلى البالتوك تسرح وتمرح ولكن دخول الشيخ إلى البالتوك ومواظبته على ذلك فيما كان يعتبره أحد الثغور جعلهم تحت السيطرة تماماً.. اتذكر رجالاتهم كالمدعو محمد علي ودمشقية والعرعور وابو البراء والبلوشي وعثمان الخميس والكثيرين الذين كانوا يحتجون علينا بما يسمونه العلم قبل دخول سماحته للبالتوك، ولكن حينما دخل وبدأ يحاورهم كانوا يهربون من الغرفة لو كان فيها سماحة الشيخ ولعلي لا أبالغ لو قلت: إن أول من وضع قواعد علمية للحوار معهم وعرف وعرّف بأساليبهم هو سماحة الشيخ، وإن لم يكن هو الأول فلا شك إنه كان أهم واحد فيهم، وكانت له طريقة فذّة في الحوار تختلف عن أي محاور آخر، واتذكر يوماً كان سماحة الشيخ متخفّي باسم غير اسمه لأنه إذا تواجد في اسمه لا يدخل صعاليك الوهابية ودخل عدنان العرعور وبدأ يتحدث بالموضوعية والعقلانية بالحوار وسماحة الشيخ كان يوجهنا بان لا نقاطعه بل نشجعه على الاستمرار بالحديث، وبدأ يسيطر على الجو بالحديث الهادئ عن الحوار، وحينما أسهب العرعور بالحديث وكان سماحة الشيخ يكتب له على التكست العام ما يشجعه على الاستمرار بهذا الجو إلى أن بلع العرعور الطعم وتصور إنه قد نجح بمهمته عند ذلك رفع سماحة الشيخ يده واعتقد إنه كان داخلاً باسم ناصر العقيدة وطلب الحديث، ولا أشك إن العرعور أسقط ما في يديه حينما سمع صوت سماحة الشيخ يتهادى عبر المايك، ويومها سجّل للحوار رقماً قياسياً فلقد استمر لمدة ثلاث دقائق ونصف فقط قبل أن يتحول حديث العرعور عن الموضوعية والحوار الهادف إلى حديث الشتيمة واللعن وهذا ديدنهم الحقيقي، قال له سماحة الشيخ: تريد أن نتحدث بحوار هادف إلى الحقيقة أليس كذلك؟ فأنعم له العرعور، فقال ألا نجعل بيننا حكماً نرجع إليه لو اختلفنا؟ فقال له العرعور حتماً، فقال له الصغير: اختر ما تريد من الحكّام؟ هل تقبل بالقرآن حكماً؟ فقال له العرعور: نعم، عند ذلك انقضّ عليه سماحة الشيخ انقضاض النسر على فريسته وهو يقول له: أي قرآن هذا الذي نتحاكم إليه؟ فالقرآن الذي لدي هو ما بين الدفتين وأدّعي إنه كاملاً، والمشكلة إن لديك قرآنا تقول عنه أم المؤمنين بأنه نقص منه آية الرضاع والتي كانت تقرأ على عهد رسول الله ولكن داجناً (سخلة) في البيت قد أكله أثناء انشغالهم بموت الرسول الأكرم ص؟ وهذه لا تسري عليها أكذوبة نسخ التلاوة، فإن أردت أن تتحاور في القرآن بيّن لي إن القرآن كاملأ لديك، أو كذّب هذه الرواية التي ذكرها مسلم في الصحيح، أو كذّب أم المؤمنين فيما روت، فنحن لا نروي هذه الرواية ونقول بأن القرآن كامل فأثبت لي كاملية القرآن لديك حتى نبتدأ بالحوار.. وهنا حار العرعور لأنه أصبح بين فكي الكماشة فإن قال بكذب الرواية يكون إما أن يكذّب صحيح مسلم وإما ان يكذّب ام المؤمنين فأبلس ولم يجب إلا بشتم الشيخ وولى هارباً، وسط دهشة الموجودين من الشيعة والسنة.
وكان سماحة الشيخ يوصينا بأن لا ننساق مع اتهامات الوهابية، فهم ليسوا طلاب علم وإنما غرضهم التهريج والقاء الشبهات وأمام هؤلاء سبيل واحد هو طريق تحويل اتهامهم عليهم دون تلبية طلباتهم بدعوى الدفاع، وقد أبلغنا في اكثر من اجتماع إن مهمته تتلخص بتبيان حقانية فكر أهل البيت ع وتعرية كل مخالفيهم والرد على أكاذيبهم وشبهاتهم بالطرق العلمية وتقوية شيعية الشيعة والتي كان يقول عنها: إن الشيعة لو قووا التشيع في نفوسهم لن ينال منهم اي منحرف او أي أفاك من أفّاكي الوهابية أو النصارى، وكانت له أنماط من التربية يفتقر إليها غيره، وكم أتذكر كشاهد بإكبار النقاش الذي دار بين دمشقية وبين الحاج وعد اللامي (waad) وكان الحاج وعد آنذاك مبتدئاً في دخوله للبالتوك ويتواجد في غرفة الحق مع السيد رفيق الموسوي وكلاهما كانا يدخلان من الإمارات آنذاك وقد طلب من سماحة الشيخ أن يعينه أثناء النقاش، فقبل سماحة الشيخ ذلك ودخل متخفياُ باسم مستعار لعلي لا أخطيء لو قلت إنه كان (why19) وقد عرفناه لأن الادمن عكروك كان قد رفع النقطة عن ثلاثة فقط دمشقية والحاج وعد وهذا الإسم، واستمر الشيخ في الغرفة مدة نصف ساعة أو أكثر بقليل، قبل أن ينسحب، وفي وقتها كان الحوار متعادلاً تقريباً بين الطرفين.. وجاء الحاج وعد منهكاً وعتب على الشيخ، ولكن الشيخ قال له: يا حاج وعد لو دخلت في النقاش مع هؤلاء فأعدّ له العدّة سلفاً، ولو اتكلت علي لن تستعد، وقد وجدت واجبي أن أضعك في إحراج حتى تنتبه إلى واجباتك في هذا المجال، وبالفعل كان الحاج وعد يقول لنا إن الشيخ كان محقّاً في ذلك ولولا هذا الإحراج لما ذهبت أطلب المصادر والكتب وأتعب نفسي بالقراءة، وبعدها وفق الحاج وعد أيّما توفيق في ذلك، وللأمانة كان سماحة الشيخ ساخط على اشتراك بعض أهل العلم في حوارات قناة المستقلة مع البلوشي ودمشقية وعثمان الخميس وكان يقول: هؤلاء ليش غرضهم العلم، وإنما غرضهم إلقاء الشبهات وجماعتنا على عكسهم تماماً فالوهابيون يلقون بعشرات الشبهات والأكاذيب خلال دقائق، وجماعتنا يبدأون بالرد على واحدة واحده من شبهات هؤلاء فينتهي وقتهم ولم يردوا على شبهة واحدة، وما تحتاجه المستقلة هو أن يرسل لهم محاوروا البالتوك الذين يعرفون ألاعيب وخدع هؤلاء اكثر من أهل العلم، وقد عاتب سماحته أحد الأفاضل بمرارة على اشتراكه في النقاشات، وكان كلامه: إنك مثقف وسط مهرجين، فهل رأيت إن المثقف ينجح في حديثه مع المهرج! كان من المفروض ان يشترك رجال البالتوك واتذكر انه سمى الحاج وعد والأخ الفخر الرازي ورفيق الموسوي وعكروك هؤلاء يعرفون بألاعيبهم وبأساليبهم في الحوار.
والحدث الكبير في بالتوك تلك الأيام كان حدث المناقشة والحوار الذي جرى بين سماحة الشيخ وبين أحد مثقفي السنة اسمه (ora10) وهو مسؤول سعودي على ما عرف نفسه لاحقاً في وزارة التربية في محافظة الدمام، ولكن بيته من القصيم وعائلته مشايخ السلفية فيها، وقد استمر الحوار في خمسة عشر يوماً او أكثر بقليل وكان كل حوار يدوم لمدة خمسة ساعات متواصلة تقريباً وانتهى باعلان الأخ عن تشيعه، وكان الحوار رائعاً من الطرفين وعميقاً في الكثير من الأحيان وهو يختلف عن سائر الحوارات التي كان يديرها أو يفاعلها مهرجوا الوهابية، ويومها اضطررنا إلى افتتاح 3 غرف هي الغدير 2 والغدير 3 وهما موصولتان بالغدير الأولى التي لم تكن آنذاك تتسع لأكثر من 200 شخص ولعلها لأول مرة تبلغ الأعداد في غرفة إلى هذا الرقم، وقد انتجت هذه الحوارات وأمثالها تشيع العشرات من طلاب الحقيقة، مع العلم إن الكثير من الوافدين الخليجيين بالخصوص كانوا قد وضعوا اجهزتهم في الديوانيات بيحث إن العشرات يستمعون إلى الجهاز الواحد، والكثير من البيوت كانت تستضيف البيوتات الأخرى للإستماع كما كانوا يبلغوننا.
وكان مساء يوم الخميس من كل جمعة مختلفاً تماماً عن بقية الأيام، فهو حديث تختلط فيه الدموع مع الكلمات، وتختلج القلوب بالأحاسيس والمشاعر الفريدة، فالحديث في ليلة الجمعة كان حديثاً عن النفس والروح وجولة في تعرية النفس، فالغرفة تغصّ بالسنة والشيعة على حد سواء، وفي عدّة أحيان اضطررنا إلى أن نفتح الغدير 2 لعدم كفاية الغرفة الأولى، وفي تمام الساعة التاسعة مساء بتوقيت الشرق الأوسط كان يبتدئ سماحة الشيخ بحديث رائع عن النفس وأحوالها والروح وعالمها ويغوص في عالم يوم القيامة ويسهب في التحدث عن الآثام والذنوب، وكانت دموعه أثناء الحديث تثري عواطف الجميع وتلهب أحاسيسهم، ثم ينتهي الحديث الذي يطول في العادة قرابة الساعة بدعاء كميل وزيارة عاشوراء، وكان في دعاء كميل يجردنا من أنفسنا ويضعها أمامنا وبكاؤه في الدعاء كان مثيراً جداً إذ ما ان تنتهي الساعتين حتى كانت اعيننا تتورم من البكاء ومشاعرنا تلتهب وأحاسيسنا تتوهج، واتذكر إن إن إحدى الوهابيات واسمها (أم عبد الله) كانت من المواظبات على الحضور وكتبت لي أكثر من مرة، شيخكم في يوم الخميس يختلف عن بقية الأيام، وكم من مرة بكيت وأنا أسأل الله أن يكون في الوهابية مثله؟!! ضحكت وقلت لها: لم لا تقولين العكس وتتمنين للوهابية أن يكونوا مثله ويتركوا غيهم وضلالهم.
وحديثه اليومي المعتاد كان يبتدئ في التاسعة مساء ولكنه يختلف عن بقية الأحاديث في بقية اليوم إذ كانت له محاضرة صباحية وهي خاصة باهل أمريكا وأستراليا، ومحاضرة في الظهيرة وبعض الأحيان عصراً، ولكن حديثه المركزي في التاسعة وفي العادة في مقامات أهل البيت ع وقد عشنا معه أياماً في غاية الروعة وهو يشرح زيارة الجامعة، او في تفسير القرآن، أو في عالم الظهور وعلاماته..
اضطررت لذكر مشاهد من ذكرياتي عن أيام البالتوك لأجعلها سبيلاً لندائي لسماحة الشيخ أن يعود إليه فنحن عطاشى لأحاديثه التي بعثت فينا الروح وألهمتنا الكثير الكثير، وما يؤلم إنه لا يعرف اليوم بهذا التعريف بقدر ما يعرفه الناس كسياسي، وأجد إن واحدة من آثام السياسة انها اخذت منا مفكراً كسماحة الشيخ وسلبت منا رجل حوار المنطق والعلم، وإني لمتيقن إن سماحة الشيخ حينما يقرأ مقالتي هذه لديه من الذكريات ما هو أكثر من ذلك سيشتد حنينه إلى تلك الأيام التي كان حديثه الذي يستمر في العادة لساعتين ينساب بهدوء وببرودة أعصاب متناهية وهو يختلف تماماً عما عرفه الناس في خطاباته متحمساً ومتوفز الأعصاب.
أنا اعرف إن مشغولياته اليوم غير مشغوليات الأمس، ولكن حينما سمعت بتمنيه أن لا يدخل مجلس النواب بعث في نفسي أن اكتب متمنياً عليه ان يعود إلينا في وجهه الفكري والعقائدي، واستغل مقالتي هذه لكي أناشد الأخوة في الوكالة الكريمة (وكالة أنباء براثا) أن لا يكتفوا بنقل الخطبة السياسيية فحسب، بل يا ليتهم يضعون الخطبة العقائدية أيضاً، لأني أعتقد إنها في غالبية الأوقات أهم من السياسية ففيها بناء الروح وفيها غناء العقل، في وقت تسلب السياسة والسياسيين روح الإنسان ويفقدونه عقله نتيجة التمادي الذين هم عليه.
ملاحظة: لم اكتب اسمي لسبب في نفسي ولكني متيقن إن من عايشوا احداث البالتوك يعرفون إن كتابتي كانت دقيقة جدا
آدمن سابق في غرفة الغدير ونور الغدير
مصدر المقال: http://www.burathanews.com/news_article_125324.html